• الأحد 11 ذو القعدة 1445 - 19 مايو 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الجماعة حق وصواب، والفرقة زيغ وعذاب

 الطحاوي

الأحداث المؤلمة التي تعيشها في سوريا تدعوننا بين الفينة والأخرى إلى التأكيد والتذكير بهذه المعاني التي أشار اليها أحد قادة الفكر وجهابذة العلم في القرن الثالث الهجري صاحب كتاب (معاني الآثار) وهو كتاب ألفه في ” المحاكمة بين أدلة المسائل الخلافية”

ذلك أن الأحداث المؤلمة التي عشناها في منطقة الباير والبوجاق ، كما عاشها غيرنا في ربوع سوريا أفرزت اختلافا في الآراء والمواقف، وإن كان هذا أمر لا بد منه إلا أن مانعيشه في المخيمات وفي الداخل المحرر على الصعيد الديني والتعليمي والتربوي يدق ناقوس الخطر، و يوحي بأمر جلل يستدعي من الجميع التكاتف والتعاضد لتجاوزه حيث بدأ يتجاوز قدر الاختلاف في الرأي إلى تنافر القلوب وإني أذكر نفسي وإخواني من طلبة العلم في هذه الغرفة وغيرها من فضاءات التواصل الاجتماعي بالآتي:

  1. بقوله سبحانه وتعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ) ولعل أكثر الروايات التي راقت لي في تفسير هذه الآية قول ابن عباس رضي الله عنهما : «خلقهم فريقين: فريقا يرحم فلا يختلف، وفريقا لا يرحم يختلف؛ وذلك قوله: فمنهم شقي وسعيد»

 

 اللهم برحمتك اجعلنا من الفريق الأول ونعوذ بك من الثاني.

  1. الأنبياء رغم أنهم دعوا الناس إلى وحدة الصف وجمع الكلمة اختلفوا فيما بينهم في الرأي

 فاختلف موسى وهارون: (قال يا هارون ما منعك إذ رايتهم ضلوا * ألا تتبعن أفعصيت أمري * قال يا بنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إلي خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب فولي)

ولو وقع مثل هذا الأمر في عصرنا لرأينا أناسا يتهمون هارون عليه السلام بأنه سكت عن إنكار الشرك الأكبر، وأن المسألة خلل في الاعتقاد وانحراف في المنهج… وبغض النظر عن الأصوب من الاجتهادين فالخلاف حصل، وعذر كل منهما الآخر.

كما اختلف الخضر وموسى، واختلف سليمان وداود. ولم يكن هذا الخلاف موجبا للفرقة والاختلاف. حتى إن الملائكة اختلفت فيما بينها فاختلفت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في شأن الرجل الذي قتل مئة شخص حين مات بين القريتين.

بعد هذا السرد أقول إن الأمة بفضل الله تعالى تشهد بوادر صحوة إسلامية قادمة وهذه الصحوة بحاجة ماسة إلى وحدة الصف من أي وقت مضى، فالأمة تعاني اليوم في العديد من المجالات من ضعف الطافات ومحدودية الإمكانات، وفي الافتراق والخلاف إضاعة للجهود وتشتيت للطاقات أيها الأخوة.

كما أن الاعداء المتربصين بنا ـ داخليا وخارجيا۔ يكيدون لرجال الأمة وشبابها من خلال بث روح الاختلاف والفرقة لوأد الصحوة الإسلامية والمشروع الإسلامي الواعد.

ولعلي استشهد هنا بقول ابن تيمية إذ أنه عاش في محن يشبه إلى حد كبير المحن التي نعيشها اليوم حيث يقول رحمه الله : “وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها، وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها”.

فإنكار المنكر ودعم قضايا الأمة لن يأتى مع الصراع والفرقة والتشاحن والتناحر بل يكون عبر الالتقاء على القواسم المشتركة فيما بيننا وما أكثرها ولله الحمد.

 واجبنا اليوم أيها الأخوة الأفاضل يكمن في العمل على:

اولاً: تقوية أواصر الأخوة فيما بيننا من خلال الزيارات المتبادلة والاطلاع على واقع إخواننا المشايخ للتخفيف عنهم وطأة الغربة والهجرة، وقضاء حوائج المحتاجين منهم ، ولنا في أبو حنيفة المثل والقدوة إذ كان رحمه الله يعطي العديد من العلماء رواتب شهرية حتى يقيهم العوز ، كما أن الليث بن سعد كثير الاجتماع بالعلماء والاطمئنان على حالهم وأحوالهم.

ثانيا: بيان الحق بأسلوب يجمع بين اللين والحكمة والنصح الأمين وأن نسلك فيه العدل ونجانب البغي والظلم.

ثالثا: الحفاظ على وحدة الصف والسعي لجمع الكلمة والابتعادعن الجدل واللغط.

رابعا: التوازن في الحكم على السلوك الخاطئ:

فالخطأ في المسائل الظاهرة ليس كالخطأ في المسائل الخفية، ومخالفة الدليل الصريح الصحيح ليست كمخالفة دليل محتمل أو فتوى عالم من العلماء.

خامسا : الفصل بين الشخص والسلوك:

وهو من الأمور التي ينبغي علينا مراعاته في حديثنا عن الحق أو الباطل نتجنب الأشخاص مع التركيز على إنكار السلوك الخاطئ والاحتفاظ بالود والاحترام والتقدير للشخص الذي بدر منه الخطأ.

سادسا: الحذر من الانشغال بعيوب الآخرين:

المسلم مأمور بحفظ لسانه وصيانة أعراض اخوانه المؤمنين ، ومن أعظم الآفات أن ينشغل المرء بعيوب إخوانه، فكيف بمن نشتغل بعيوبه من أهل الصلاح والعلم والدعوة، ومم يعرفون بالخير في الأمة؟

سابعا: الابتعاد عن تضخيم الخلاف:

لا ينشأ الخلاف من فراغ، ولعل العديد من الصراعات والافتراقات سببها الخطأ والتقصير، يغذيها هوى، أو غلو وتضخيم الأحداث . فالواجب علينا أن نبتعد عن تضخيم الخطأ حتى لا نقع في الظلم والعدوان.